تراجع الوصول الطّبيعي (غير التّرويجي) في فيس بوك وإيجابيّات ذلك
شهدت منصات التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة العديد من التغييرات التي أثرت بشكل كبير على طرق التفاعل بين المستخدمين والمحتوى المعروض. ومن بين هذه المنصات التي تعرضت لهذا التحول الكبير هي فيس بوك، حيث بدأ الوصول الطّبيعي (غير التّرويجي) للمحتوى يشهد تراجعًا تدريجيًّا، ما أثار تساؤلات بين الشركات والمعلنين والأفراد حول أسباب هذا التراجع وآثاره على استراتيجيات التسويق والمحتوى الرقمي. في هذا المقال، سنقوم بتحليل تراجع الوصول الطّبيعي في فيس بوك، ونستعرض إيجابيّات هذا التغيير، وكيفية استغلال هذه التغييرات لصالح الأفراد والشركات على حد سواء.
مفهوم الوصول الطّبيعي على فيس بوك
يُعرَف الوصول الطّبيعي على فيس بوك بالعدد الإجمالي للأشخاص الذين يراوْن منشورًا على الصفحة دون دفع أي مبالغ مالية للترويج له. ويشمل هذا النوع من الوصول التفاعل الطبيعي مع المنشور مثل الإعجابات، والتعليقات، والمشاركات التي ينتج عنها عرض المنشور للأصدقاء أو المتابعين في خلاصة الأخبار الخاصة بهم. ومن المعروف أن فيس بوك قد اعتمد في البداية على الخوارزميات التي تعتمد على علاقة المستخدمين مع الصفحات والمحتوى الذي يتابعونه، مما يسمح لبعض المنشورات بالوصول إلى أكبر عدد من الأشخاص دون الحاجة إلى الدفع.
تراجع الوصول الطّبيعي: الأسباب والتحديات
في السنوات الأخيرة، قام فيس بوك بتعديل خوارزميات العرض في خلاصة الأخبار بشكل مستمر، مما أدى إلى تقليص عدد الأشخاص الذين يرون المنشورات غير الترويجية. ويرجع هذا التراجع إلى عدة أسباب رئيسية، أبرزها:
1. الزحف الكبير في المحتوى
زاد عدد المستخدمين على فيس بوك بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى زيادة كبيرة في حجم المحتوى المتاح في الخلاصة. ومع هذا الكم الهائل من المنشورات، لم يعد من الممكن عرض كل محتوى المستخدمين في نفس الوقت، مما دفع فيس بوك إلى فرض قيود على عدد المنشورات التي تظهر للمستخدمين.
2. التركيز على المحتوى الشخصي
من خلال تعديل الخوارزميات، أصبح فيس بوك يعرض المزيد من المحتوى الشخصي والمتعلق بالأصدقاء والعائلة. هذا التوجه كان بهدف تعزيز التفاعل الشخصي، وبالتالي تم تقليص عرض المحتوى الخاص بالصفحات التجارية والعلامات التجارية.
3. الاستراتيجيات التجارية والترويجية
يهدف فيس بوك إلى زيادة العائدات المالية من خلال الإعلانات المدفوعة. لذلك، أصبح الوصول إلى أكبر عدد من المستخدمين مقتصرًا على المعلنين الذين يدفعون لعرض محتواهم. هذا التوجه أدى إلى أن تقلص الوصول الطبيعي للمحتوى غير الترويجي بشكل ملحوظ.
4. التفاعل المستخدم المتزايد مع المحتوى السلبي
واجه فيس بوك أيضًا تحديًا في الحد من انتشار المحتوى السلبي أو المضلل. في هذا الإطار، عملت الخوارزميات على تقليل الوصول إلى بعض المنشورات التي تظهر فيها مستويات عالية من الجدل أو الاستقطاب.
إيجابيّات تراجع الوصول الطّبيعي
على الرغم من أن التراجع في الوصول الطّبيعي قد يكون محبطًا للعديد من أصحاب الصفحات والمستخدمين، إلا أن هذا التغيير يحمل عدة إيجابيّات قد تعود بالفائدة على الأفراد والشركات إذا تم استغلاله بشكل صحيح. فيما يلي بعض هذه الفوائد:
1. تحفيز التركيز على جودة المحتوى
من أبرز الإيجابيّات التي نتجت عن تراجع الوصول الطّبيعي هو الضغط على الشركات والأفراد لتحسين جودة المحتوى الذي ينشرونه. مع تقلص الوصول الطبيعي، أصبح من الضروري على الصفحات أن تقدم محتوى ذا قيمة عالية وجذاب للمستخدمين كي يحصل على تفاعل كافٍ يسمح له بالوصول إلى شريحة أكبر من الجمهور. هذا يشجع على الابتكار والإبداع في طرق تقديم المعلومات وتفاعل المستخدمين.
2. زيادة فعالية الإعلانات المدفوعة
من خلال تقليص الوصول الطّبيعي للمحتوى، دفع فيس بوك الشركات إلى التركيز أكثر على الإعلانات المدفوعة، ما يعني زيادة الكفاءة في الاستهداف وتحقيق نتائج أفضل. إعلانات فيس بوك تسمح للمعلنين بتحديد الجمهور المستهدف بدقة أكبر بناءً على البيانات الشخصية والسلوكية للمستخدمين، مما يزيد من احتمال وصول الإعلانات إلى الأشخاص الأكثر اهتمامًا بالمنتجات أو الخدمات المعروضة.
3. تعزيز التفاعل مع الجمهور المتفاعل بالفعل
من خلال تقليص الوصول الطّبيعي، أصبح التركيز أكبر على جذب التفاعل من جمهور معين، بدلاً من محاولة الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص بشكل عشوائي. هذا يعني أن العلامات التجارية يمكنها الآن بناء علاقات أكثر عمقًا مع جمهورها المستهدف، مما يزيد من ولاء العملاء ويؤدي إلى زيادة التفاعل المستمر.
4. تقليل تأثير المحتوى غير ذي الصلة
مع تراجع الوصول الطّبيعي، أصبح فيس بوك يعرض المحتوى الأكثر صلة وملاءمة للمستخدمين استنادًا إلى تفاعلهم السابق واهتماماتهم. هذا يؤدي إلى تقليل انتشار المحتوى غير ذي الصلة أو المزعج للمستخدمين، مما يعزز تجربة المستخدم على المنصة.
5. تحقيق توازن بين الحملات التسويقية والمحتوى العضوي
من خلال هذا التراجع، أصبح من الضروري على الشركات تحقيق توازن بين حملات التسويق المدفوعة والمحتوى العضوي الذي يتم نشره. هذا التحدي يدفع الشركات إلى تخصيص ميزانيات أكبر للإعلانات المدفوعة مع الحرص على تحسين محتواها العضوي لضمان التفاعل مع جمهورها.
6. زيادة التركيز على التحليل والبيانات
عند تراجع الوصول الطبيعي، بدأ الكثير من الشركات والمستخدمين في التركيز على تحليل البيانات والإحصائيات بشكل أكبر لمعرفة أي أنواع من المنشورات تحقق أفضل أداء. هذا التحليل المتعمق يسمح لهم باتخاذ قرارات أفضل بشأن المحتوى الذي ينبغي نشره في المستقبل، وبالتالي تحسين استراتيجياتهم التسويقية على فيس بوك.
التكيف مع التغيير: كيف يمكن استغلال التراجع لصالحك؟
لا شك أن التغيير في خوارزميات فيس بوك يتطلب من الشركات والمستخدمين التكيف مع البيئة الجديدة والتفكير في طرق مبتكرة للوصول إلى جمهورهم المستهدف. وفيما يلي بعض النصائح التي يمكن اتباعها للاستفادة القصوى من هذه التغييرات:
-
الاستثمار في الإعلانات المدفوعة
التركيز على الاستفادة من أدوات الإعلان المدفوعة في فيس بوك يعد أحد الحلول الأساسية لمواكبة تراجع الوصول الطبيعي. يمكن تخصيص ميزانيات مخصصة لحملات مستهدفة تساعد في الوصول إلى الفئات التي تكون أكثر احتمالًا للاهتمام بالمحتوى. -
إنشاء محتوى مميز وجذاب
يتطلب الوضع الحالي اهتمامًا أكبر من قبل الشركات والأفراد بجودة المحتوى الذي ينشرونه. الاهتمام بمحتوى مميز وقيّم يمكن أن يعزز التفاعل الطبيعي حتى في ظل القيود المفروضة على الوصول. -
التفاعل المستمر مع الجمهور
من خلال الرد على التعليقات والمشاركات والتفاعل مع جمهورك، يمكنك تعزيز الظهور الطبيعي في خلاصة الأخبار. عندما يشعر المستخدمون بالاهتمام والرد على استفساراتهم، يزداد احتمال أن يتم عرض محتواك لهم بشكل متكرر. -
التوجه إلى منصات أخرى
في حال كان الوصول على فيس بوك أصبح محدودًا جدًا، يمكن للأفراد والشركات أن يستغلوا منصات أخرى مثل إنستغرام، تويتر، ولينكد إن للتفاعل مع الجمهور المستهدف.
الخاتمة
تراجع الوصول الطّبيعي في فيس بوك ليس بالضرورة أمرًا سلبيًا كما قد يبدو للوهلة الأولى. بل على العكس، يمكن أن يساهم هذا التغيير في تحسين جودة المحتوى المقدم من الشركات والمستخدمين، وزيادة التفاعل الجاد والمثمر. إذا تم التكيف مع هذه التغييرات بشكل صحيح، فإن التراجع في الوصول الطّبيعي يمكن أن يكون فرصة لتحسين استراتيجيات التسويق الرقمي والتركيز على تقديم محتوى يستحق التفاعل الفعلي من الجمهور.
